كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال السدي: والموت يقول: قد علمنا من يموت منهم، ومن يبقى.
{كِتَابٌ حَفِيظٌ} محفوظ من الشياطين، ومن أن يدرس، ويبعثر، وهو اللوح المحفوظ، المكتوب فيه جميع الأشياء المقدّرة.
{بَلْ كَذَّبُواْ بالحق} بالقرآن.
{لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ في أَمْرٍ مَّرِيجٍ} قال أبو حمزة: سُئل ابن عبّاس عن المريج، فقال: هو الشيء المكر، أما سمعت قول الشاعر:
فجالت فالتمست به حشاها ** فخر كأنه خوط مريج

الوالبي عنه: أمر مختلف. العوفي عنه: أمر ضلالة. سعيد بن جبير، ومجاهد: ملتبس، قال قتادة: في هذه الآية من نزل الحقّ مرج أمره عليه، والتبس دينه عليه. ابن زيد: مختلط، وقيل: فاسد، وقيل: متغير. وكلّ هذه الأقاويل متقاربة، وأصل المرج الاضطراب، والقلق، يقال: مرج أمر الناس، ومرج الدّين، ومرج الخاتم في إصبعي وخرج إذا قلق من الهزال، قال الشاعر:
مرج الدّين فأعددت له ** مشرف الحارك محبوك الكتد

وفي الحديث: «مرجت عهودهم، وأمانيهم».
{أَفَلَمْ ينظروا إِلَى السماء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} أي شقوق، وفتوق، واحدها فرج، وقال ابن زيد: الفروج الشيء المتفرّق المتبري بعضه من بعض، وقال الكسائي: ليس فيها تفاوت، ولا اختلاف {والأرض مَدَدْنَاهَا} بسطناها على وجه الماء {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ} لون {بَهِيجٍ} حسن كريم يُبهج به أي يُسر.
{تَبْصِرَةً} أي جعلنا ذلك تبصرة، وقال أبو حاتم: نُصبت على المصدر.
{وذكرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} يعني تبصر أو تذكّر إنابتها له، لأنّ من قدر على خلق السماوات، والأرض، والنبات، قدر على بعثهم، ونظير التبصرة من المصادر التكملة، والتفضلة، ومن المضاعف النخلة، والبعرة.
{وَنَزَّلْنَا مِنَ السماء مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحصيد} يعني البر، والشعير، وسائر الحبوب التي تحصد وتدّخر وتقتات، وأضاف الحَبّ إلى الحصيد، وهما واحد، لاختلاف اللفظين، كما يقال: مسجد الجامع، وربيع الأوّل، وحقّ اليقين، وحبل الوريد، ونحوها.
{والنخل بَاسِقَاتٍ} قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة: طوالًا، وقال عبد الله بن شداد بن الهاد: سوقها لاستقامتها في الطول. سعيد بن جبير: مستويات. الحسن والفرّاء: مواقير حوامل، يقال للشاة إذا ولدت: أبسقت، ومحلّها نصب على الحال، والقطع.
أخبرني الحسن، قال: حدّثنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي، قال: حدّثنا عبيد بن محمد بن صبح الكناني. قال: حدّثنا هشام بن يونس النهشلي، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن زياد بن علاقة، عن قطبة بن مالك. قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ: (والنّخل باصقات) بالصاد.
{لَّهَا طَلْعٌ} تمر، وحمل سمّي بذلك لأنّه يطلع.
{نَّضِيدٌ} متراكب متراكم، قد نضد بعضه على بعض. قال بن الأجدع: نخل الجنّة نضيد من أصلها إلى فرعها، وثمرها أمثال القلال والدلاء، وأنهارها تجري في عبر أخدود {رِّزْقًا} أي جعلناه رزقًا {لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا}.
أخبرني ابن منجويه، قال: حدّثنا ابن صقلاب. قال: حدّثنا ابن أبي الخصيب، قال: حدّثني ابن أبي الجوادي، قال: حدّثنا عتيق بن يعقوب، عن إبراهيم بن قدامة، عن أبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة، قال: «كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا جاءهم المطر، فسالت الميازيب، قال: لا محْل عليكم العام» أي الجدب.
{كَذَلِكَ الخروج} من القبور.
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرس وَثَمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأيكة وَقَوْمُ تُّبَّعٍ} وهو ملك اليمن، ويسمّى تبّعًا لكثرة أتباعه، وكان يعبد النار فأسلم، ودعا قومه إلى الإسلام، وهم من حِمْيَر، فكذّبوه، وكان خبره وخبر قومه ما أخبرنا عبد الله بن حامد، قال: أخبرني أبو علي إسماعيل بن سعدان، قال: أخبرني علي بن أحمد، قال: حدّثنا محمد ابن جرير، وأخبرني عقيل أنّ أبا الفرج أخبرهم عن ابن جرير، قال: حدّثنا ابن حميد، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا محمد بن إسحاق، قال: كان تبّع الآخر، وهو أسعد أبو كرب بن ملكي كرب، حين أقبل من المشرق، جعل طريقه على المدينة، وكان حين مر بها لم يهيج أهلها، وخلّف بين أظهرهم ابنًا له، فقتل غيلة، فقدمها، وهو مجمع لإخراجها، واستئصال أهلها، وقطع نخيلها، فجمع له هذا الحيّ من الأنصار، حين سمعوا ذلك من أمره امتنعوا منه، ورئيسهم يومئذ عمرو بن ظلم أخو بني النجار أحد بني عمرو، فخرجوا لقتاله، وكان تبّع نزل بهم قبل ذلك، فقتل رجل منهم، من بني عدي بن النجّار، يقال له: أحمر، رجلًا من صحابة تبّع، وجده في عذق له بجدة فضربه بنخلة فقتله.
وقال: إنّما التمرة لمن أبره، ثمّ ألقاه حين قتله في بئر من آبارهم معروفة، يقال لها: ذات تومان، فزاد ذلك تبعًا حنقًا عليهم، فبينا تبّع على ذلك من حربهم يقاتلهم ويقاتلونه، قال: فيزعم الأنصار أنّهم كانوا يقاتلونه بالنهار، ويقرونه بالليل، فيعجبه ذلك، ويقول: والله إنّ قومنا هؤلاء لكرام، إذ جاءه حبران من أحبار يهود بني قريظة، عالمان راسخان، وكانا ابني عمرو، وكانا أعلم أهل زمانهما، فجاءا تبّعًا حين سمعا ما يريد من إهلاك المدينة، وأهلها، فقالا له: أيّها الملك لا تفعل، فإنّك إن أتيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها، ولم يأمن عليك عاجل العقوبة، فقال لهما: ولِمَ ذاك؟ قالا: هي مهاجر نبي يخرج من هذا الحيّ من قريش في آخر الزمان، تكون داره وقراره، فتناهى لقولهما عمّا كان يريد بالمدينة، ورأى أنّ لهما علمًا، وأعجبه ما سمع منهما، أنّهما دعواه إلى دينهما، فليتبعهما على دينهما، فقال تبع في ذلك:
ما بال نومك مثل نوم الأرمد ** أرقا كأنك لا تزال تسهد

حنقًا على سبطين حلاّ يثربًا ** أولى لهم بعقاب يوم مفسد

ولقد هبطنا يثربًا وصدورنا ** تغلي بلابلها بقتل محصد

ولقد حلفت يمين صبر مؤليًا ** قسمًا لعمرك ليس بالتمردد

أن جئت يثرب لا أغادر وسطها ** عذقًا ولا بسرًا بيثرب يخلد

حتى أتاني من قريظة عالم ** حبر لعمرك في اليهود مسود

قال ازدجر عن قرية محفوظة ** لنبي مكّة من قريش مهتد

فعفوت عنهم عفو غير مثرب ** وتركتهم لعقاب يوم سرمد

وتركتهم لله أرجو عفوه ** يوم الحساب من الجحيم الموقد

ولقد تركت بها له من قومنا ** نفرًا أُولي حسب وبأس يحمد

نفرًا يكون النصر في أعقابهم ** أرجو بذاك ثواب ربّ محمّد

فلمّا [......] تبع إلى دينهما أكرمهما وانصرف عن المدينة، وخرج بهما إلى اليمن ولمّا دنا من اليمن ليدخلها حالت حِمْير بينه وبين ذلك، وقالوا: لا تدخلها علينا، وقد فارقت ديننا، فدعاهم إلى دينه، وقال: إنه دين خير من دينكم.
قالوا: فحاكمنا إلى النار. وكانت باليمن نار في أسفل جبل يقال له: ندا، يتحاكمون إليها، فيما يختلفون فيه، فتحكم بينهم، تأكل الظالم، ولا تضرّ المظلوم، فلمّا قالوا ذلك لتبّع، قال: أنصفتم، فخرج قومه بأوثانهم، وما يتقرّبون به في دينهم، وخرج الحبران، مصاحفهما في أعناقهما متقلّداهما، حتّى قعدوا للنّار عند مخرجها التي تخرج منه، فخرجت النار إليهم، ولمّا أقبلت نحو حِمْير، حادوا عنها، وهابوها فدعاهم من حضرهم من الناس، وأمروهم بالصبر لها؛ فصبروا حتّى غشيتهم، فأكلت الأوثان، وما قربوا معها، ومن حَمَلَ ذلك من رجال حمير، وخرج الحبران ومصاحفهما في أعناقهما، يتلون التوراة، تعرق جباههما، لم تضرّهما، ونكصت النار حتّى رجعت إلى مخرجها الذي خرجت منه، فأطبقت حمير عند ذلك على دينهما.
فمن هناك كان أصل اليهودية باليمن.
وكان لهم بيت يعظمونه، وينحرون عنده، ويكلّمون منه، إذا كانوا على شركهم، فقال الحبران القرظيان، وأسماهما كعب وأسد لتبّع: إنّما هو شيطان (يفنيهم ويلغيهم)، فخلّ بيننا وبينه. قال: فشأنكما به. فاستخرجا منه كلبًا أسود، فذبحاه، ثمّ هدما ذلك البيت، فبقاياه اليوم باليمن كما ذكر لي.
وروى أبي دريد، عن أبي حاتم، عن الرياشي، قال: كان أبو كرب أسعد الحميري من التبابعة، آمن بالنبيّ صلى الله عليه وسلم محمّد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة سنة، وقال في ذلك شعرًا:
شهدت على أحمد أنّه ** رسول من الله باري النسم

فلو مد عمري إلى عمره ** لكنت صهرًا له وابن عمّ

{كُلٌّ كَذَّبَ الرسل فَحَقَّ} وجب {وَعِيدِ} لهم بالعذاب يخوف كفّار مكّة، قال قتادة: دمر الله سبحانه وتعالى قوم تبّع، ولم يدمّره، وكان من ملوك اليمن، فسار بالجيوش، وافتتح البلاد، وقصد مكّة ليهدم البيت، فقيل له: إنّ لهذا البيت ربًّا يحميه، فندم وأحرم، ودخل مكّة، وطاف بالبيت، وكساه، فهو أوّل من كسا البيت {أَفَعَيِينَا بالخلق الأول} أي عجزنا عنه، وتعذر علينا الأول فهم في شك الإعادة للخلق الثاني.
{بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} وهو البعث.
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} يحدّثه قلبه، فلا يخفى علينا أسراره، وضمائره {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} أي أعلم به، وأقدر عليه {مِنْ حَبْلِ الوريد} لأنّ أبعاضه، وأجزاءه يحجب بعضها بعضًا، ولا يحجب علم الله سبحانه عن جميع ذلك شيء، وحبل الوريد: عرق العنق، وهو عرق بين الحلقوم، والعلباوين، وجمعه أوردة، والحبل من الوريد وأُضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين، قال الشاعر:
فقرت للفجار فجاء سعيًا ** إذا ما جاش وانتفخ الوريد

{إِذْ يَتَلَقَّى المتلقيان} أي يتلقّى، ويأخذ الملكان الموكلان عليك، وكَّل الله سبحانه بالإنسان مع علمه بأحواله، ملكين بالليل، وملكين بالنهار يحفظان عمله، ويكتبان أثره، إلزامًا للحجّة، أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات، والآخر عن شماله يكتب السيّئات، فذلك قوله سبحانه: {عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ} ولم يقل: قعيدان. قال أهل البصرة: لأنّه أراد عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد، فاكتفى بأحدهما عن الآخر، كقول الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما عندك ** راض والرأي مختلف

وقول الفرزدق:
إنّي ضمنت لمن أتاني ما جنى ** وأبى فكان وكنت غير غدور

ولم يقل: غدورين، والقعيد، والقاعد كالسميع، والعليم، والقدير، فقال أهل الكوفة: أراد قعودًا رده إلى الجنس، فوضع الواحد موضع الجمع، كالرسول في الاثنين يجعل للاثنين، والجمع، قال الله سبحانه في الاثنين: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العالمين} [الشعراء: 16] وقال الشاعر:
ألكني إليها وخير الرسول ** أعلمهم بنواحي الخبر

أخبرنا الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن سالم الختلي. قال: حدّثنا أحمد بن أيّوب الرخاني. قال: حدّثنا جميل بن الحسن، قال: حدّثنا أرطأة بن الأشعث العدوي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنّ مقعد ملكيك على ثنيتيك، ولسانك قلمهما، وريقك مدادهما، وأنت تجري أظنّه قال: فيما لا يعنيك لا تستحي من الله، ولا منهما».
وأخبرنا الحسين بن محمد بن منجويه الدينوري، قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، قال: حدّثنا الفضل بن العبّاس بن مهران. قال: حدّثنا طالوت. قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة. قال: أخبرنا جعفر بن الزبير، عن القاسم بن محمد، عن أبي أُمامة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «كاتب الحسنات على يمين الرجل، وكاتب السيّئات على يسار الرجل، وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيّئات، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرًا، وإذا عمل سيئة، قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: دعه سبع ساعات لعلّه يسبِّح أو يستغفر».
قال الحسن: إنّ الملائكة يجتنبون الإنسان على حالين: عند غائطه، وعند جماعه، وقال أبو الجوزاء، ومجاهد: يكتبان عليه كلّ شيء حتّى أنينه في مرضه، وقال عكرمة: لا يكتبان عليه إلاّ ما يؤجر عليه أو يؤزر فيه، وقال الضحّاك: مجلسهما تحت الشعر على الحنك.
ومثله روى عوف عن الحسن، قال: وكان الحسن يعجبه أن ينظف عنفقته.
وقال عطية ومجاهد: القعيد الرصيد.
أخبرنا أبو القاسم بن حبيب في سنة ست وثمانين وثلاثمائة، قال: حدّثنا أبو محمد البلاذري. قال: حدّثنا محمد بن أيّوب الرازي. قال: حدّثنا أبو التقى هشام بن عبد الملك. قال: حدّثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي، عن تمام بن نجيح، عن الحسن، عن أبي هريرة، وأنس، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من حافظين يرفعان إلى الله سبحانه ما حفظا فيرى الله سبحانه في أوّل الصحيفة خيرًا، وفي آخرها خيرًا، إلاّ قال لملائكته: اشهدوا أنّي قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة».
وأخبرنا أبو سهل بن حبيب بقراءتي عليه، قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن موسى، قال: حدّثنا زنجويه بن محمد. قال: حدّثنا إسماعيل بن قتيبة. قال: حدّثنا يحيى بن يحيى. قال: حدّثنا عثمان بن مطر الشيباني، عن ثابت عن أنس. أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بأنّ الله سبحانه وكّل بعبده المؤمن ملكين يكتبان عمله، فإذا مات، قال الملكان اللّذان وكّلا به يكتبان عمله: قد مات فلان، فيأذن لنا، فنصعد إلى السماء، فيقول الله سبحانه: سمائي مملوءة من ملائكتي يسبِّحون، فيقولان: نقيم في الأرض. فيقول الله سبحانه: أرضي مملوءة من خلقي يسبِّحون. فيقولان: فأين؟ فيقول: قوما على قبر عبدي. فكبّراني، وهللاني، واكتبا ذلك لعبدي ليوم القيامة».
{مَّا يَلْفِظُ} يتكلّم.
{مِن قول إِلاَّ لَدَيْهِ} عنده {رَقِيبٌ} حافظ {عَتِيدٌ} حاضر، وهو بمعنى المعتد من قوله: {اعتدنا} والعرب تعاقب بين (التاء) و(الذال) لقرب مخرجهما، فيقول: اعتددت، وأعذدت، وهرذ، وهرت، وكبذ، وكبت، ونحوهما، قال الشاعر:
لئن كنت مني في العيان مغيبًا ** فذكرك عندي في الفؤاد عتيد

{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} أي وجاءت سكرة الحقّ بالموت؛ لأنّ السكرة هي الحقّ، فأضيفت إلى نفسه لاختلاف الإسمين وقيل: الحقّ هو الله عزّ وجلّ، مجازه وجاء سكرة أمر الله بالموت. أنبأني عقيل، قال: أخبرنا المعافى، قال: أخبرنا جوير. قال: حدّثنا ابن المثنى، قال: حدّثنا محمد بن جعفر، قال: حدّثنا شعبة، عن واصل، عن أبي وائل قال: لما كان أبو بكر يقضي، قالت عائشة:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ** إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر

فقال أبو بكر: يا بنية لا هو لي، ولكنّه كما قال الله سبحانه: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} أي تكره، عن ابن عبّاس، وقال الحسن: تهرب. الضحّاك: تروغ. عطاء الخراساني: تميل. مقاتل بن حيان: تنكص. وأصل الحيد الميل، يقال: حدت عن الشيء أحيد حيدًا، ومحيدًا إذا ملت عنه. قال طرفة: